{ من المألوف أن نقول إن الحب علاقة ثنائية, بين طرفين, تتوجه فيها مشاعر كل طرف نحو الآخر, إن هذه العلاقة هي العلاقة الطبيعية والعادية في دنيا الحب. لكن أحدا لا يلتفت إلي العوامل الأخري المغذية لهذا الحب أو إلي العوامل السالبة منه. ذلك أنه إذا كانت علاقة الحب الطبيعية تقف وحدها دون مساندة من عوامل أخري, بالإيجاب أو بالسلب, فإن هناك علاقات حب, لا تكتفي بوحدانيتها, لكنها مغموسة في رحيق آخر أو أكثر, من حب يختفي بين الضلوع.
فمن خلال الرصد الذي أقوم به لحالات طالبي المشورة, ألمس ظواهر لها دلالة علي أن الحب لا يعمل وحده. لذلك فإني أحرص لا علي معرفة مشكلة الحب بين الطرفين بكل صراحة ووضوح, وإنما أيضا, أحرص علي معرفة الظروف الاجتماعية والاقتصادية بما فيها ـوعلي وجه الخصوصـ علاقة طالب المشورة بالوالدين وبالإخوة وبالوسط الذي يعيش فيه.
فالحب في أولياته ومبادئه, ليس له سبب. لكن( الوسط) الذي يعيش فيه قد يؤثر فيه بالإنعاش أو بالموت. ولقد ساد تفسير لدي جانب من الطب النفسي, بأن الحب عند البنات تعبير عن فقدان الحب لدي الأب أو الأم, خصوصا في قصص الحب بين البنات الصغار والرجال الكبار. لكنني من خلال المتابعة وجدت حالات مناقضة تهدم النظرية من أساسها, حيث التقيت بغارقات في بحار الحب, ينعمن بعلاقات رائعة من الأب والأم كما التقيت بحالات لا تعرف الحب بين بنات, من ذوي الآباء أو الأمهات غير الأسوياء في علاقاتهم. وهذا يعني أن علاقة الحب تنبني وحدها دون مؤثر, وتنطلق مثل رصاصة من مجهول تحمل زجاجة عطر إلي قلب الطرفين.
{{{
وفي حالات الحب وتجاربه, التي تعرض علي, لاحظت ظاهرة لفتت نظري طويلا, وهي وجود حالات من حب عميق, شديد العمق تفوق الأحوال العادية, وهي ما يمكن أن أطلق عليها حالات الحب المركب. والحب المركب, يستدعي هنا ما قاله النفسيون في تبرير الحب. لكني لا أجده فيما عرض علي, تبريرا للحب, ولكني أراه( مضافا) للحب, لأن الحب ليس له تبرير. وبيان ذلك أن المحب الذي يوضع في عالم الحب دون دخل منه أو إرادة, قد يجد ـإذا كانت فتاةـ أن من يحبه ليس هو الحبيب المباغت كالإعصار, لكنه يحمل من الأب فاقد الحنان أو المفقود أصلا, ويحمل من الأستاذ أو العم أو الخال أو أي شخصية قريبة من الوجدان,( عناصر تقوية) لمشاعر الحب!! فالبنت تشعر بأن حبيبها هو أبوها.. وأخوها.. وعمها وخالها.. وأستاذها, في علاقة حب مركبة لم يظهر منها إلا ذلك الحبيب الذي يهتز القلب لمرآه, ويحمل كل عناصر الإشباع لمشاعرها العطشي نحو حب الآخرين. والبنات في مثل هذه الأحوال تجيش قلوبهن بمشاعر متنوعة.. أو فلنقل, يحاط القلب هنا بحزمة من المشاعر, يقف الحب الأصلي الطارئ فيه وقفة القطب المغناطيسي, الذي انجذبت إليه كل المشاعر المختفية
. والبنت هنا تتقبل من ذلك الحبيب( المجمع) أي قسوة وأي عنف, وتتعلق به في فتون وجنون مهما يواجهها من صدود منه أو نفور. والحب المركب لا يراه الناس بصورته المركبة, إنما يرونه حبا جنونيا لشخص واحد معين, لكن أحدا قد لا يدرك أن البنت تحب عددا من الأشخاص يتمثلون في شخص واحد!! ومن المدهش, أن البنت نفسها قد لا تدرك هذه( الجذور) الممتدة في أرض الحب والضاربة في الأعماق, إنما تنظر إلي المحبوب علي أنه محور الحياة وقطب الرحي. وفي الحالات التي عرضت علي من هذا النوع, تبين أن( حرارة الحب) انخفضت حين شرحت للبنت هذه الأمور!!
{ علي أن هناك حالات عكسية تماما, من حب لا يغذيه شيء ما, ويبدو مثل مولود ضئيل الوزن!! ولأن الموضوع جديد وطريف ومستنبط من واقع أراه أمام عيني بالتحليل الدقيق, فسوف نعرض ذلك تباعا في مرات مقبلة, لعلنا نسهم في عملية( التنوير العاطفي) التي لا يستغني عنها أحد من الناس.
مع القراء:
{ إلي الصديق العزيز خليفة محمد خليفة: من الممكن أن نلتقي في الإسكندرية التي أحل عليها من اليوم ضيفا لمدة أسبوعين, لشرح ظروف وملابسات الموضوع الذي أغضبك, فاتصل بي علي التليفون المعتاد).
{ إلي إيمي ليبس) من كلية طب أسنان الإسكندرية, وإلي( رغدة) بالإسكندرية: أرجو أن أطمئن علي أحوالكما.
{ إلي الشاعر السكندري محمد طه: قرأت أشعارك التي أرسلتها لي, وهي تحمل بصمات شاعر متمكن يملك ناصية الكلام والمعاني. ويمكنك مقابلتي في الإسكندرية بدءا من اليوم ولأسبوعين مقبلين.
{ إلي( شيماء) مدينة نصر, لم يتسع وقتي للاستماع إليك كثيرا قبل سفري إلي الإسكندرية, لكني أحيي فيك طاعتك لأمك والتزامك بإرضائها ولو علي حساب مشاعرك وعواطفك, لأن مشاعر الحب مهما تشتد فهي لا تدوم, في مواجهة الرباط الأبدي بين الأم وأولادها.
{ مرة أخري ألفت نظر القراء الأعزاء إلي ضرورة عدم التجهيل في الخطابات أو الرسائل التليفونية.
{ إلي( أميرة وإحسان) بالدقهلية: صداقات التليفون صداقات هشة وضعيفة. وأنا شخصيا لا أهتم بصداقات التليفون لأنها مثل حديث يدور بين اثنين وهما مغمضا العينين!!
{ أرجو أن يلتمس لي القراء, العذر في تأخير الرد علي رسائلهم لأني مثقل بأعباء تنوء بها صحتي.
نقطة عطر..!!
كان يكفيني أن أراك مرة واحدة, لتنغرس في عمق البصيرة. واليوم أراك كلما جذبني الحنين إليك.. وليس علي إلا أن أغمض عيني لأراك.. ولأتنفس العطر.