الحب متنوع الصور والأشكال
والأهداف, وتختلط الأمور علي الكثرة الغالبة, فلا يستطيعون التفرقة بين نوع من الشعور أو الإحساس, وآخر يتشابه معه. وبرغم هذا التباين والاختلاف فإن هذه الصور جميعها, يلفها دخان من ضباب المشاعر والأحاسيس يميل بالإنسان نحو إنسان آخر. فالإشارة الأولي في طريق الحب, هي( الميل) أو( الانجذاب) أو( الارتياح) لشخص آخر.. وليس هناك في الميل والانجذاب أو الارتياح أي إشارة أخري إلي( نوع) الحب. فالميل قد يكون للمظهر المريح, أو للثروة, أو للقوة الجسدية أو للرغبة الجسدية, أو لصفة يتميز بها الشخص. وهذا الميل هو نوع من الحب, لكنه حب محدود بغرض أو بهدف أو بمثير يحرك المشاعر والأحاسيس. وفي كل هذه الأحوال يشيع القول بأننا أمام( حالة حب) أو( تجربة حب).
ولأن هذه الأنواع, المعروفة الاتجاه, مرتبطة بخاصية الإشباع, فإنها تزول تدريجيا, بتوالي الإشباع, لأن الحب هنا هو( احتياج) لما عند المحبوب, سواء كان ما عند المحبوب مالا أو جمالا أو جاذبية جنسية أو غير ذلك من المشاعر والأحاسيس, القابلة للتشبع أو الإشباع.
ومثل هذه المشاعر والأحاسيس, قصيرة الأجل, ترتبط ارتباطا عضويا بتحقيق الهدف. وكثيرا ما يختلط الأمر علي الناس فيصابون بفزع ينفجر في نفوسهم, بأنه لم يعد هناك حب!! فالحب قد انتهي وكنا نظنه لا ينتهي!! لكن أحدا لا يدرك أن مثل هذا الحب يرتبط وجوده بتحقق الغرض منه. فهو جوع وتعطش إلي ما عند المحبوب. وحين يرتوي الجسد مثلا, يبدأ التعطش في التضاؤل والضمور ولا يبدو المطلوب مرغوبا بالدرجة نفسها قبل الارتواء, سواء كان الارتواء بالجنس أو بالمال أو بالشهرة أو بغير ذلك من( المظاهر) التي يتعطش إليها ذلك( المحب).
وهذه الأنواع شائعة ذائعة بين الناس, تحمل لافتة الحب. ولذلك نسمع من يقول( ليس هناك حب في هذه الأيام).. وهو يقولها لأنه يشاهد البدايات والنهايات, بينما يستقر في الوعي العاطفي عنده, أن الحب لا يموت. والكثرة الغالبة والمعروفة من قصص الحب, هي من هذا النوع, يتداولها الناس ويلوكون حكاياتها وسير أشخاصها لأنها غالبا ما تكون معلنة وصريحة علي مرأي ومسمع من الجميع..
وعلي الجانب الآخر من نهر الحب, هناك المحبون الصامتون, الذين يحبون ولا يبوحون أو يتكلمون. ربما يعجزون عن الكلام أو عن التعبير, أو ربما يتلعثمون ويرتبكون وترتعش شفاههم خوفا واضطرابا.. بينما ضربات القلب تتلاحق إيذانا بفتح ستار يستعصي علي الانفراج..!!
فما الذي يعتلج في جوانحهم ويسري في أوصالهم؟ ما الذي يجعل ألسنتهم تلتف حول نفسها عاجزة عن النطق أحيانا, تنفلت الكلمات سكري من بين شفاه مرتعشة بحروف متكسرة!! إنهم عاجزون عن البوح بذلك الهوي المجنون في قلوبهم. هربا من تلك القوة العاتية التي تعصف بكيانهم!! إنهم هؤلاء الناس الذين( يميلون) و(ينجذبون) دون أن يعرفوا لماذا يميلون أو ينجذبون. كأنما الريح العاصف يأخذهم إلي حيث لا يعلمون.. فيخشون البوح بما يشعرون, حتي لا يدخلهم الآخرون في زمرة المندفعين نحو الجنس أو المال أو الوجاهة..!! لا شيء عندهم من هذا أو ذاك.. ليس عندهم هدف.. كلا ولا عندهم شوق إلي الارتواء, كلا ولا صرخت أجسادهم جوعا أو عطشا..
وقد لا يدري المحبوب من أمر محبه شيئا!! فالمحب يتردد في البوح. وقد يخيل إليه أن البوح فيه استهانة بمشاعره, أو أنه طريق لاستضعافه, فيلجأ إلي رسائل غامضة غير موقعة أو موقعة بحروف غير حقيقية, ممزقا بين البوح والكتمان.
وحينما يبدأ البوح, فإن المحبوب قد يكون لديه الشعور والمخاوف نفسها, فتهدأ نفسه, ويستقر أمره, وتتدفق مشاعره مثل شلال ماء نحو من يحب. وفي مثل هذه الأحوال يبقي الحب ـ ربما ـ خفيا عن الآخرين, حتي لا يسيئوا تأويله وحتي لا يدرجوه تحت لافتات الحب المرتبط بهدف. والذين يدارون حبهم بعد انكشافه فيما بينهم يكونون أسعد المحبين, لأن مشاعرهم محصورة بينهما وليست متداولة بين الأصدقاء والمعارف, يضيفون إليها أو ينتقصون منها, ويصبح مجري البوح محصورا فقط بين الحبيب والمحبوب, وقد لا يدري بهما أحد علي الإطلاق, لأنهما حريصان علي التخفي بعيدا عن العيون وعن المسامع وألسنة الآخرين.
لذلك نسمع كثيرا من يقول( لا يوجد حب)!! وهو يقول ذلك لأن الحب المعلن, القصير الأجل, والمرتبط بهدف, هو الشائع وهو الذي يتحدث عنه الناس, في حين أن الحب( الحقيقي) أي الذي لا يرتبط بهدف, موجود بكثرة, لكنه يكمن في القلوب بعيدا عن العيون وعن القيل والقال فلا يدركه أحد. أي أن الحب موجود بشقيه سواء كان بهدف أو بغير هدف. ومن الطبيعي أن ترد استثناءات علي هذه الأقوال شأنها شأن أي علاقة إنسانية, فقد يصبح الحب القصير مخفيا, وقد يصبح الحب الحقيقي معلنا لأسباب وظروف مختلفة.
لكن السؤال المثير علي لسان كل الذين يحضرون إلي للاستشارة, هو, كيف يتم التمييز بين حب موقوت بهدف, وحب دائم بلا هدف.. أو بمعني آخر, كيف تكتشف المرأة ـ بالذات ـ أنها أمام رجل يحبها حقا وليس أمام عابر سبيل!! إنها مشكلة شائكة, لأن أدوات التعبير عن الحب بكل أنواعه تكاد تكون واحدة!! كلمات ناعمة أحيانا تدغدغ المشاعر, وكلمات ساخنة أحيانا أخري تدغدغ الأحاسيس, وكلها كلمات تصعد بالمرأة إلي مشارف دنيا ساحرة, تنجذب إليها, دون أن تعلم أنها مثل الفراشة, تنجذب إلي الرحيق بالشوق نفسه إلي الحريق!! أو تدور بكل كيانها دورات متلاحقة حول وهج لا فرق فيه بين نار ونور..
وفي المقال المقبل بإذن الله, سوف نحاول التفرقة بين الذين يحبون حبا وقتيا وأولئك الذين يحبون حبا دائما, أو بعبارة أخري, بين أصحاب الكلام المعسول وأصحاب الكلام المغسول..!!
نقطة عطر..!!
لا أعرف من أنت بشخصك.. لكني عرفت شخصيتك. وإذا ظل شخصك مجهولا لي فلن أهتم, لأن الإحباط يعتريني بسرعة, لكني سأكتفي بشخصيتك التي عبرت في رسالتها عن إحساس هائل بالحب, في كلمات من رحيق الأدب العاطفي!! وهكذا أحببت الرسالة.. لأنها( المعلوم) أمامي, ولم ألتفت إلي كاتبة الرسالة, لأنها( المجهول) خلف ضباب الكلمات وفي شذي العطر..!!