قلنا إن المحب الحقيقي, قليل الكلام بوجه عام, يعتريه نوع من الارتباك عند محاولته التعبير عن مشاعره, ولو فسرنا هذا الموقف تفسيرا كهرومغناطيسيا, فإن ذلك شبيه بتداخل الموجات الخارجية المقتحمة مع الموجات الداخلية للمتكلم, وكما يحدث من( شوشرة) في جهاز راديو نسمعها جميعا عند اقتراب رنين التليفون المحمول بثوان, يحدث بين المحب والمحبوب مثل هذا التداخل, الذي يبدو في صورة ارتباك وتلعثم, ويفسره البعض بأنه نتيجة لزيادة في افرازات بعض الغدد, ونفسره نحن بأن زيادة افرازات هذه الغدد أو نقص افرازها, إنما هو نتيجة للنشاط الكهرومغناطيسي في الانسان, الذي يسيطر علي نبض القلب ونشاط المخ.
واذا كان من الطبيعي أن يعبر الانسان عن مشاعره وعن أحاسيسه, إما بطلاقة واما بارتباك, فإن هناك نوعا من الناس يفضل الاختباء بعواطف وراء صمت يترنح خجلا أو خوفا, ويجد أنه عاجز تماما عن الافصاح عما بقلبه أو التعبير عن مشاعره وأحاسيسه, فيلجأ الي مجرد النظر من بعيد, في غلالة من الصمت, أو الي الكتابة دون توقيع, أو التوقيع بأحد الحروف, وهذا الحب المختبيء, يعذب صاحبه لأنه يمضي وقتا طويلا من حياته أسيرا للعجز عن التعبير, مما يزيد من آلامه يوما بعد يوم,.
والواقع أن الحب المخبوء, يستند الي أسباب تختلف من شخص الي آخر, سواء كان أنثي أم رجلا, فهناك نوع من خوف الصد والرد, يخشاه البعض ممن لديهم اعتبار هائل للذات, فهم يفضلون أن يعيشوا علي أمل أو علي احتمال, ولو لم يكن صريحا, بأن من يحبونه يبادلهم الحب, فهم يفضلون صمتا منطويا علي أمل, علي بوح أو تصريح قد يصدهم صراحة, فيهدم كل صروح الأماني, ويظلون في انتظار أمل لا يأتي.. لأن الآخر إما أن يكون علي نفس الشاكلة, وإما أن يكون غير مدرك أو فاهم لمشاعر المحب الصامت, وهناك نوع من الناس خشي التعبير عن حبه خوفا من أن يصغر شأنه وتقل أهميته في نظر المحبوب, فتأخذه العزة بالنفس والاحتماء بالكرامة الي ظلام الصمت, الي أن يضيع منه الأمل, ويذوب المحبوب مع آخرين في بحر الحياة دون أي ذنب جناه, ولايدرك المحب أنه جني علي نفسه وقتل حبه بيديه وتعلق بأمل مربوط بخيوط واهنة.
وهناك نوع آخر من الناس,( يتعمد) اخفاء حبه, أو يعلنه في رسائل متوالية دون الافصاح عن شخصيته, وهذا النوع تسيطر عليه فكرة( شغل بال المحبوب) أولا, وايقاعه في حيرة من أمره, حتي يجهده التفكير فيمن هي أو هو, صاحب هذه الرسائل.
لكن خطورة هذه الطريقة, ترتد الي صاحبها في الأغلب الأعم, لأنها حين تحاور وتناور وتلقي الكلام ثم تختبيء, ترسم لنفسها صورة مثيرة في ذهن المتلقي, فيتصورها في كل الأشكال التي يحبها, وتترسخ في ذهنه صورة خيالية عن حبيب رائع يدق جرس الباب ثم يلوذ بالفرار, حتي أفصح الحبيب( المراوغ) عن شخصيته, تحدث المفاجأة.. وهي مفاجأة قد تكون سعيدة وقد تكون مفاجأة محبطة ومؤلمة, فتحدث الصدمة, حين يكون هناك فارق شاسع بين الشكل الماثل أمامه, أو الشخصية المعلنة, وبين ما استقر في الوجدان من تراكمات كلامية وصور خيالية, ومعني ذلك أن المحبوب قد ضيع كثيرا من الوقت فيما لا جدوي منه, لأنه لو( ظهر) منذ البداية لاختصر كثيرا من الوقت الضائع في المحاورة والمراوغة.
وأعرف فتاة ظلت تراسل شخصا كل أسبوع, تمطره بعبارات حب مثيرة للدهشة, من فرط ما بها من دفء وحرارة, وبلاغة, لكنها كانت توقع رسائلها بحرفM, فشرد ذهنه في كل من يعرفهن بهذا الحرف, حتي تشتت فكره وتفرقت عواطفه وردود أفعاله, دون أن يستطيع تركيز مشاعره علي شخص معين, وبدأ الاعجاب الشديد بالرسائل المبهرة, يتضاءل تدريجيا أمام اختباء صاحبتها, ووصل الي حد اعتبارها مثل المنشورات الانتخابية أو الحكومية التي يتم توزيعها, فلا يهتم بها, لأن( خاصية التواصل) الشخصي في الرسائل غير موجودة, فمن المهم جدا أن يعرف المرسل إليه شخص المرسل تماما, ليقرأ وكأنه يسمع ويشاهد, فيزداد الاقتراب ويبتعد شبح الاحباط واليأس عن القاريء.
وتبدو مثل هذه الرسائل المبهمة, مثل حلم, ينتهي القاريء من قراءتها ثم يطويها, ويحكيها كحلم لايعرف أشخاصه ولا رموزه, ثم يسكت عن تذكر الحلم أو ذكره, لشعوره بالملل.
لكن من الأمانة في القول كما قلنا, أن نذكر أن الحب المخبوء قد لا يكون لارادة صاحبه أي شأن في الموضوع, لأنه قد لا يتعمد ذلك الاخفاء أبدا, ولكنه يجد نفسه يسير في طريق مظلم حتي لايراه أحد, ودون أن يكون عنده أي ارادة حرة في اختيار الطريق, وفقدان الارادة الحرة قد يكون لأسباب نابعة من داخل الانسان نفسه, كالارتباك والتلعثم, وربما يكون فقدان الارادة الحرة نابعا من ضغوط خارجية, وحصار يجد فيه الانسان نفسه وقد سجنته ظروف لا حيلة له فيها.
ويبدو الحب المخبوء في صورة حديثة, من خلال( رنات) التليفون المحمول, أو شاشات الانترنت!! فقد اختصرت أجهزة المحمول عمليات الحب المخبوء, الي رنات أو رسائل مجهولة الصاحب, لكنها معلومة العنوان.. والعنوان هنا, هو رقم تليفون الشخص( المختبيء), وعلي عكس الرسائل المكتوبة الخالية من كل المعلومات إلا الكلام العاطفي الجميل, فإن المرسل إليه بالمحمول يستطيع الرد, إما بالسؤال عن اسم المرسل, أو بكلام آخر, ويظل الأمر هكذا متبادلا بصورة أو بأخري بين اثنين, منهما واحد مجهول للآخر وهو المرسل إليه, لكن كثيرا ممن يتلقون( الرنات) أو الرسائل المجهولة كثيرا ما يشعرون بالملل, من هذه اللعبة التي تتم في الظلام, فلا يهتمون بالرد, لا علي الرسالة ولا علي الرنة.
{ واذا كان الصب تفضحه عيونه, فإن المحب قد لا يستطيع الاختباء طويلا..!! فالحب اذا ألجم اللسان وغشي الشفاة بارتعاشات خجلي يجعلها تترنح بين حروف الكلمات, فإنه لا يستطيع أن يفعل شيئا في نافذة العيون!! ومن المثير للدهشة, أن هناك عيونا تفصح بوضوح, عن مشاعر صاحبها فتبدو وكأنها تتكلم وتتضرع الي الحبيب أن يفهم لغتها!! لكن لغة العيون قد لا يفهمها كل الناس, لأن فهمها مقصور علي ذوي الشفافية, من الاشخاص ذوي التجارب السابقة, أو الأشخاص ذوي الطبيعة الرومانسية, فهنا تجد أن المحب الذي يعجز عن الكلام, تتكثف مشاعره في عيونه, ربما تنفلت من العيون دمعة خارت قواها من طول الاحتباس.. وربما تبتل العيون بوميض لامع بين دمع خائر, وكلام حائر.. ربما تتوه العيون أمامك فلا تعرف لها مستقرا.. وربما تهرع العيون اليك حين تراك فترتمي بين جفنيك, وربما تهرب خجلا, وتتواري خلف نفسها دون أن تدرك أنها تختبيء في عينيك أنت..!! ان المحب يستطيع أن يخفي حبه عن كل الدنيا.. لكن الصب تفضحه عيونه.. ولا غرابة في ذلك.. فالعيون هي النافذة التي يطل منها الآخرون علي الانسان!! غرامه في عينيه وهوانه في عينيه, وسهر الليالي كامن بين جفنيه, وابتهالات الحب تضيء عينيه بنور ليس كمثله نور..!!
** نقطة عطر..!!
لماذا تهربين من الحب!؟ أعرف أنك لن تستطيعي الفرار منه.. هو يلاحقك دائما.. وأنت تهربين منه إليه, وترتمين في حضنه كأنه مجهول يحميك ممن يطاردك.. وحين اكتشفت أنه الحب.. حاولت الفرار بشخصك وشخصيتك.. ورغم اختفائك في الآفاق البعيدة فإنه يخترق مسامعك عند كل نبضة قلب بصوت يحتويك( الحب عطر من صفاته أنه لا يختبيء..!!)
[/img]
السبت أغسطس 01, 2015 12:53 pm من طرف 
عدد المساهمات
السمعه
نقاطك
تاريخ التسجيل
الاوسمة التي حصل عليها
